فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني على حكاية لفظ {الْمُؤْمِنُونَ} الواقع أولها في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فجعل ذلك اللفظ تعريفا للسورة.
وقد وردت تسمية هذه السورة سورة المؤمنون في السنة.
روى أبو داود: عن عبد الله بن السائب قال: «صلى بنا رسول الله الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنون حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر موسى وعيسى أخذت النبي سعلة فحذف فركع».
ومما جرى على الألسنة أن يسموها سورة قد أفلح. ووقع ذلك في كتاب الجامع من العتبية في سماع ابن القاسم.
قال ابن القاسم: أخرج لنا مالك مصحفا لجده فتحدثنا أنه كتبه على عهد عثمان بن عفان وغاشيته من كسوة الكعبة فوجدنا.. إلى أن قال.. وفي قد أفلح كلها الثلاث لله أي خلافا لقراءة: سيقولون الله.
ويسمونها أيضا سورة الفلاح. وهي مكية بالاتفاق. ولا اعتداد بتوقف من توقف في ذلك بأن الآية التي ذكرت فيها الزكاة وهي قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} تعين أنها مدنية؛ لأن الزكاة فرضت في المدينة. فالزكاة المذكورة فيها هي الصدقة لا زكاة النصب المعينة في الأموال. وإطلاق الزكاة على الصدقة مشهور في القرآن.
قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6-7] وهي من سورة مكية بالاتفاق، وقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 54-55] ولم تكن زكاة النصب مشروعة في زمن إسماعيل.
وهي السورة السادسة والسبعون في عداد نزول سور القرآن نزلت بعد سورة {الطور} وقبل سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}.
وآياتها مائة وسبع عشرة في عد الجمهور.
وعدها أهل الكوفة مائة وثمان عشرة، فالجمهور عدوا {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} آية، وأهل الكوفة عدوا {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10، 11] آية وما بعدها آية أخرى، كما يؤخذ من كلام أبي بكر ابن العربي في العارضة في الحديث الذي سنذكره عقب تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
أغراض السورة:
هذه السورة تدور آيها حول محور تحقيق الوحدانية وإبطال الشرك ونقض قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه.
فكان افتتاحها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلوا به من أصول الفضائل الروحية والعملية التي بها تزكية النفس واستقامة السلوك.
وأعقب ذلك بوصف خلق الإنسان أصله ونسله الدال على تفرد الله تعالى بالإلهية لتفرده بخلق الإنسان ونشأته ليبتدئ الناظر بالاعتبار في تكوين ذاته ثم بعدمه بعد الحياة.
ودلالة ذلك الخلق على إثبات البعث بعد الممات وأن الله لم يخلق الخلق سدى ولعبا.
وانتقل إلى الاعتبار بخلق السماوات ودلالته على حكمة الله تعالى.
وإلى الاعتبار والامتنان بمصنوعات الله تعالى التي أصلها الماء الذي به حياة ما في هذا العالم من الحيوان والنبات وما في ذلك من دقائق الصنع، وما في الأنعام من المنافع ومنها الحمل.
ومن تسخير المنافع للناس وما أوتيه الإنسان من آلات الفكر والنظر.
وورد ذكر الحمل على الفلك فكان منه تخلص إلى بعثه نوح وحدث الطوفان.
وانتقل إلى التذكير ببعثة الرسل للهدى والإرشاد إلى التوحيد والعمل الصالح، وما تلقاها به أقوامهم من الإعراض والطعن والتفرق، وما كان من عقاب المكذبين، وتلك أمثال لموعظة المعرضين عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم فأعقب ذلك بالثناء على الذين آمنوا واتقوا.
وبتنبيه المشركين على أن حالهم مماثل لأحوال الأمم الغابرة وكلمتهم واحدة فهم عرضة لأن يحل بهم ما حل بالأمم الماضية المكذبة.
وقد أراهم الله مخائل العذاب لعلهم يقلعون عن العناد فأصروا على إشراكهم بما ألقى الشيطان في عقولهم.
وذكروا بأنهم يقرون إذا سئلوا بأن الله مفرد بالربوبية ولا يجرون على مقتضى إقرارهم أنهم سيندمون على الكفر عندما يحضرهم الموت وفي يوم القيامة.
وبأنهم عرفوا الرسول وخبروا صدقه وأمانته ونصحه المجرد عن طلب المنفعة لنفسه الإ ثواب الله فلا عذر لهم بحال في إشراكهم وتكذيبهم الرسالة، ولكنهم متبعون أهواءهم معرضون عن الحق.
وما تخلل ذلك من جوامع الكلم.
وختمت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغض عن سوء معاملتهم ويدفعها بالتي هي أحسن، ويسأل المغفرة للمؤمنين، وذلك هو الفلاح الذي ابتدئت به السورة. اهـ.

.قال سيد قطب:

تعريف بالسورة هذه سورة المؤمنون.. اسمها يدل عليها. ويحدد موضوعها.. فهي تبدأ بصفة المؤمنين، ثم يستطرد السياق فيها إلى دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق. ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله- صلوات الله عليهم- من لدن نوح- عليه السلام- إلى محمد خاتم الرسل والنبيين ; وشبهات المكذبين حول هذه الحقيقة واعتراضاتهم عليها، ووقوفهم في وجهها، حتى يستنصر الرسل بربهم، فيهلك المكذبين، وينجي المؤمنين.. ثم يستطرد إلى اختلاف الناس- بعد الرسل- في تلك الحقيقة الواحدة التي لا تتعدد.. ومن هنا يتحدث عن موقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم ويستنكر هذا الموقف الذي ليس له مبرر.. وتنتهي السورة بمشهد من مشاهد القيامة يلقون فيه عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، يختم بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران..
فهي سورة المؤمنون أو هي سورة الإيمان، بكل قضاياه ودلائله وصفاته. وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل.
ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط:
يبدأ الشوط الأول بتقرير الفلاح للمؤمنين: {قد أفلح المؤمنون} ويبين صفات المؤمنين هؤلاء الذين كتب لهم الفلاح.. ويثني بدلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، فيعرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا متوسعا في عرض أطوار الجنين، مجملا في عرض المراحل الأخرى.. ثم يتابع خط الحياة البشرية إلى البعث يوم القيامة.. وبعد ذلك ينتقل من الحياة الإنسانية إلى الدلائل الكونية:في خلق السماء، وفي إنزال الماء، وفي إنبات الزرع والثمار. ثم إلى الأنعام المسخرة للإنسان ; والفلك التي يحمل عليها وعلى الحيوان.
فأما الشوط الثاني فينتقل من دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق إلى حقيقة الإيمان. حقيقته الواحدة التي توافق عليها الرسل دون استثناء: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.. قالها نوح- عليه السلام- وقالها كل من جاء بعده من الرسل، حتى انتهت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكان اعتراض المكذبين دائما: {ما هذا إلا بشر مثلكم}.. {ولو شاء الله لأنزل ملائكة}.. وكان اعتراضهم كذلك: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}.. وكانت العاقبة دائما أن يلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره، وأن يستجيب الله لرسله، فيهلك المكذبين.. وينتهي الشوط بنداء للرسل جميعا: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}.
والشوط الثالث يتحدث عن تفرق الناس- بعد الرسل- وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة. التي جاءوا بها: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون}. وعن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع. بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائمو الخوف والحذر {وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}.. وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا هم يجأرون ; فيأخذهم التوبيخ والتأنيب: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون}.. ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه ; وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا. فماذا ينكرون منه ومنالحق الذي جاءهم به ? وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولدا سبحانه! ويشركون به آلهة أخرى {فتعالى عما يشركون}.
والشوط الأخير يدعهم وشركهم وزعمهم ; ويتوجه بالخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع السيئة بالتي هي أحسن، وأن يستعيذ بالله من الشياطين، فلا يغضب ولا يضيق صدره بما يقولون.. وإلى جوار هذا مشهد من مشاهد القيامة يصور ما ينتظرهم هناك من عذاب ومهانة وتأنيب.. وتختم السورة بتنزيه الله سبحانه: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم}. وبنفي الفلاح عن الكافرين في مقابل تقرير الفلاح في أول السورة للمؤمنين: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}. وبالتوجه إلى الله طلبا للرحمة والغفران: {وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}.
جو السورة كلها هو جو البيان والتقرير، وجو الجدل الهادى ء، والمنطق الوجداني، واللمسات الموحية للفكر والضمير. والظل الذي يغلب عليها هو الظل الذي يلقيه موضوعها.. الإيمان.. ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة: {الذين هم في صلاتهم خاشعون}. وفي صفات المؤمنين في وسطها: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}.. وفي اللمسات الوجدانية: {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}. وكلها مظللة بذلك الظل الإيماني اللطيف. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة المؤمنون من السور المكية وآياتها ثماني عشرة ومائة آية.
بين يدي السورة:
* سورة المؤمنون من السور المكية التي تعالج أصول الدين من التوحيد والرسالة، والبعث سميت بهذا الإسم الجليل المؤمنون تخليدا لهم وإشادةً بمآثرهم وفضائلهم الكريمة، التي استحقوا بها ميراث الفردوس الأعلى في جنات النعيم.
* عرضت السورة الكريمة لدلائل القدرة والوحدانية، مصورة في هذا الكون العجيب، في الإنسان، والحيوان، والنبات، ثم في خلق السموات البديعة ذات الطرائق، وفي الآيات الكونية المنبثة فيما يشاهده الناس في العالم المنظور، من أنواع النخيل والأعناب، والزيتون والرمان، والفواكه والثمار، والسفن الكبيرة التي تمحر عباب البحار وغير ذلك من الآيات الكونية الدالة على وجود الله جل وعلا.
* وقد عرضت السورة لقصص بعض الأنبياء، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عما يلقاه من أذى المشركين، فذكرت قصة نوح، ثم قصة هود، ثم قصة موسى، ثم قصة مريم البتول وولدها عيسى، ثم عرضت لكفار مكة وعنادهم ومكابرتهم للحق بعدما سطع سطوع الشمس في رابعة النهار، وأقامت الحجج والبراهين على البعث والنشور، وهو المحور الذي تدور عليه السورة، وأهم ما يجادل فيه المبطلون، فقصمت ببيانها الساطع ظهر الباطل.
* وتحدثت السورة عن الأهوال والشدائد التي يلقاها الكفار وقت الإحتضار، وهم في سكرات الموت، وقد تمنوا العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات فقد انتهى الأجل، وضاع الأمل.
* وختمت السورة بالحديث عن يوم القيامة حيث ينقسم الناس إلى فريقين: سعداء، وأشقياء، وينقطع الحسب والنسب، فلا ينفع إلا الإيمان والعمل الصالح، وسجلت المحاورة بين المَلِكِ الجبار، وبين أهل النار وهم يصطرخون فيها فلا يغاثون ولا يجابون!!
قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} إلى قوله: {وعليها وعلى الفلك تحملون}. من آية (1) إلى نهاية آية (22). اهـ.